الأزهر إذ يفتي بشرعية الجدار الفولاذي
صفحة 1 من اصل 1
الأزهر إذ يفتي بشرعية الجدار الفولاذي
فيما
يبدو أنه رد على فتوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، وعدد كبير من العلماء
الآخرين بخصوص الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة ،
اجتمع مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر برئاسة الشيخ طنطاوي وخرج
بفتوى تقول إن من حق مصر أن تبني "المنشآت والسدود التي تصون أمنها
وحدودها وحقوقها" ، مضيفا أن لها "حقوقا شرعية في وضع الحواجز التي تمنع
أضرار الأنفاق في رفح المصرية ،
والتي يتم استخدامها في تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن
واستقرار مصر ومصالحها". أما الذين انتقدوا بناء الجدار ، فهم بحسب المجمع
"يخالفون ما أمرت به الشريعة الإسلامية".
هكذا يبتذل الدين في معارك السياسة ، كما ابتذل من قبل في معارك الكرة ،
والسبب وراء هذه الظاهرة يتمثل أولا في إشكالية الدولة القطرية
واستحقاقاتها ، وتبعا لذلك غياب مفهوم الأمة في وعي كثير من العلماء ،
وثانيا في تبعية الديني للسياسي التي تتجلى على نحو فاضح في عالمنا العربي.
فيما يتعلق بشؤون السياسة والحكم والعمل العام ، غالبا ما يتم النظر إلى
مسألة الجواز وعدمه من منطلق مصالح الإسلام والمسلمين ، وهو العرف الذي
اتبعه العلماء طوال التاريخ ، لكن الأمة اليوم لم تعد أمّة في مفاهيم
السياسة ، إذ الأولوية دائما للقطر ، والقطر غالبا ما يحشر في إطار النظام
السياسي ، والنظام السياسي غالبا ما يتقزم في الحزب الحاكم ، وهذا الأخير
يغدو نخبة معينة تتحكم بالسلطة والثروة.
في ضوء ذلك تغدو مسألة المصلحة التي تحكم الفتوى المتعلقة بالسياسة والعمل
العام خاضعة لهوى النخب الحاكمة ، اللهم إلا مواقف أو فتاوى تصدر عن علماء
مستقلين ليست لهم مصالح عند تلك الفئة ، أو عن علماء آخرين يتواجدون بعيدا
عن سطوتها ترغيبا وترهيبا.
وهكذا تبدو الفتوى في ظاهرها ناطقة باسم القطر ومعبرة
عن مصالحه ، فيما هي تعبر في حقيقتها عن مصالح النخب الحاكمة التي تتحكم
بالسلطة والثروة ، ولو كان الأمر غير ذلك لصار بوسعنا اتهام الفئات التي
تخالف تلك الفتوى أو ذلك الرأي بخيانة الوطن والتفريط بمصالحه.
تبعية الديني للسياسي هي المعضلة الثانية ، وهي التي تجعل الفتوى أسيرة
أهل السياسة وليس جوهر الدين الذي يتحرك ضمن مفهوم الأمة أو الملة ، وليس
المفهوم القطري ، فضلا عن أن يكون المحرك هو مصالح النخب الحاكمة.
في قضية كالتي نحن بصددها يتوسل المعارضون رؤية تتحدث عن فئة مسلمة يجري
خنقها بجدار فولاذي بغير وجه حق ، بينما يتحدث الآخرون بمنطق أهل السياسة
الذين يبنون الجدار تبعا لحساباتهم ، وليس حسابات البلد وأهله ومصالحه ،
لأن أحدا لم يقتنع أن قطاع غزة يشكل مصدر تهديد لأمن مصر القومي بأي حال ،
وحين يتحدث هؤلاء عن المخدرات يغدو المشهد أكثر بؤسا ، لأن مصر ليست فقيرة بالمخدرات حتى يجري تزويدها بها من قطاع غزة.
القصة إذن لا تعدو أن تكون دفاعا عن قرار سياسي باستخدام الدين ، وفي
محاولة للرد على علماء آخرين ، وعموما فإن بوسع من يدفع للزمار أن يطلب
اللحن الذي يريد ، كما يقول المثل الإنجليزي الشهير. وعندما تكون هذه
الجهة الدينية أو تلك تابعة بالكامل لأهل السياسة ، فمن الطبيعي أن تتحدث
بالرأي الذي يناسبهم.
إن تبعية الديني للسياسي التي برزت منذ قرون قد ابتذلت الدين إلى حد كبير ، لكن واقع الأزهر خلال السنوات الماضية صار الأسوأ على الإطلاق ، لا سيما بعد أن ضُربت جبهة علماء الأزهر المستقلة التي كانت تنطق باسم الأمة وتعبر عن همومها.
من المؤسف أن يصل الحال ببعض العلماء إلى هذا المستوى ، ونحن هنا لم نناقش
كثيرا حيثيات الفتوى لأنها من الوضوح بحيث لا تستحق النقاش ، لكننا نتحدث
عن ظاهرة باتت تتوفر بكثرة في عالمنا العربي ، وفي الشقيقة الكبرى على وجه
التحديد.
من دون علماء مستقلين يعبرون عن روح الأمة بعيدا عن القطرية الضيقة
والتبعية للحكام ، سيبقى حال الفتوى والرأي الديني في ضياع على النحو الذي
نتابع ، ويبقى أن الوعي الجمعي لجماهير الأمة ليس من النوع الذي يسهل
التلاعب به كما يظن البعض ، حتى لو نجحت الأنظمة في تشكيك قلة من الناس في
قناعاتهم.
ياسر الزعاترة - الدستور
يبدو أنه رد على فتوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، وعدد كبير من العلماء
الآخرين بخصوص الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة ،
اجتمع مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر برئاسة الشيخ طنطاوي وخرج
بفتوى تقول إن من حق مصر أن تبني "المنشآت والسدود التي تصون أمنها
وحدودها وحقوقها" ، مضيفا أن لها "حقوقا شرعية في وضع الحواجز التي تمنع
أضرار الأنفاق في رفح المصرية ،
والتي يتم استخدامها في تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن
واستقرار مصر ومصالحها". أما الذين انتقدوا بناء الجدار ، فهم بحسب المجمع
"يخالفون ما أمرت به الشريعة الإسلامية".
هكذا يبتذل الدين في معارك السياسة ، كما ابتذل من قبل في معارك الكرة ،
والسبب وراء هذه الظاهرة يتمثل أولا في إشكالية الدولة القطرية
واستحقاقاتها ، وتبعا لذلك غياب مفهوم الأمة في وعي كثير من العلماء ،
وثانيا في تبعية الديني للسياسي التي تتجلى على نحو فاضح في عالمنا العربي.
فيما يتعلق بشؤون السياسة والحكم والعمل العام ، غالبا ما يتم النظر إلى
مسألة الجواز وعدمه من منطلق مصالح الإسلام والمسلمين ، وهو العرف الذي
اتبعه العلماء طوال التاريخ ، لكن الأمة اليوم لم تعد أمّة في مفاهيم
السياسة ، إذ الأولوية دائما للقطر ، والقطر غالبا ما يحشر في إطار النظام
السياسي ، والنظام السياسي غالبا ما يتقزم في الحزب الحاكم ، وهذا الأخير
يغدو نخبة معينة تتحكم بالسلطة والثروة.
في ضوء ذلك تغدو مسألة المصلحة التي تحكم الفتوى المتعلقة بالسياسة والعمل
العام خاضعة لهوى النخب الحاكمة ، اللهم إلا مواقف أو فتاوى تصدر عن علماء
مستقلين ليست لهم مصالح عند تلك الفئة ، أو عن علماء آخرين يتواجدون بعيدا
عن سطوتها ترغيبا وترهيبا.
وهكذا تبدو الفتوى في ظاهرها ناطقة باسم القطر ومعبرة
عن مصالحه ، فيما هي تعبر في حقيقتها عن مصالح النخب الحاكمة التي تتحكم
بالسلطة والثروة ، ولو كان الأمر غير ذلك لصار بوسعنا اتهام الفئات التي
تخالف تلك الفتوى أو ذلك الرأي بخيانة الوطن والتفريط بمصالحه.
تبعية الديني للسياسي هي المعضلة الثانية ، وهي التي تجعل الفتوى أسيرة
أهل السياسة وليس جوهر الدين الذي يتحرك ضمن مفهوم الأمة أو الملة ، وليس
المفهوم القطري ، فضلا عن أن يكون المحرك هو مصالح النخب الحاكمة.
في قضية كالتي نحن بصددها يتوسل المعارضون رؤية تتحدث عن فئة مسلمة يجري
خنقها بجدار فولاذي بغير وجه حق ، بينما يتحدث الآخرون بمنطق أهل السياسة
الذين يبنون الجدار تبعا لحساباتهم ، وليس حسابات البلد وأهله ومصالحه ،
لأن أحدا لم يقتنع أن قطاع غزة يشكل مصدر تهديد لأمن مصر القومي بأي حال ،
وحين يتحدث هؤلاء عن المخدرات يغدو المشهد أكثر بؤسا ، لأن مصر ليست فقيرة بالمخدرات حتى يجري تزويدها بها من قطاع غزة.
القصة إذن لا تعدو أن تكون دفاعا عن قرار سياسي باستخدام الدين ، وفي
محاولة للرد على علماء آخرين ، وعموما فإن بوسع من يدفع للزمار أن يطلب
اللحن الذي يريد ، كما يقول المثل الإنجليزي الشهير. وعندما تكون هذه
الجهة الدينية أو تلك تابعة بالكامل لأهل السياسة ، فمن الطبيعي أن تتحدث
بالرأي الذي يناسبهم.
إن تبعية الديني للسياسي التي برزت منذ قرون قد ابتذلت الدين إلى حد كبير ، لكن واقع الأزهر خلال السنوات الماضية صار الأسوأ على الإطلاق ، لا سيما بعد أن ضُربت جبهة علماء الأزهر المستقلة التي كانت تنطق باسم الأمة وتعبر عن همومها.
من المؤسف أن يصل الحال ببعض العلماء إلى هذا المستوى ، ونحن هنا لم نناقش
كثيرا حيثيات الفتوى لأنها من الوضوح بحيث لا تستحق النقاش ، لكننا نتحدث
عن ظاهرة باتت تتوفر بكثرة في عالمنا العربي ، وفي الشقيقة الكبرى على وجه
التحديد.
من دون علماء مستقلين يعبرون عن روح الأمة بعيدا عن القطرية الضيقة
والتبعية للحكام ، سيبقى حال الفتوى والرأي الديني في ضياع على النحو الذي
نتابع ، ويبقى أن الوعي الجمعي لجماهير الأمة ليس من النوع الذي يسهل
التلاعب به كما يظن البعض ، حتى لو نجحت الأنظمة في تشكيك قلة من الناس في
قناعاتهم.
ياسر الزعاترة - الدستور
fidou- Admin
- عدد الرسائل : 631
العمر : 38
الموقع : algeria
المزاج : نوووووووورمال
قيمتك عندنا ^_^ : 0
نقاط : 892
تاريخ التسجيل : 28/01/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى